قد يكون مقالي هذا قد جاء متأخرًا عن موعده، إذ كان من المفترض نشره فور انتهاء الموسم الدرامي الرمضاني 2025، لكن تأخّري يعود إلى قناعة شخصية ألتزم بها كل عام، وهي أنني لا أتابع شاشات التلفزيون خلال شهر رمضان المبارك، احترامًا لروحانية الشهر وانشغالي بالعبادة والأجواء العائلية.
وكعادتي، بعد انتهاء الشهر الكريم، أبدأ في مشاهدة بعض الأعمال بهدوء، دون تأثير زخم السباق الرمضاني أو صخب الترويج، وبعد أن شاهدت عددًا من المسلسلات، لم أجد نفسي مشغولة بمستوى الإنتاج أو تقنيات التصوير أو حتى الكتابة، بل بأمر أكثر وجعًا.
لماذا أصبح في كل عام، في زحام الأعمال الدرامية التي تُعرض كل موسم، يبرز سؤال مؤلم لا يجد له إجابة منصفة: أين الفنانون الحقيقيون؟ أين أصحاب التاريخ والمواهب الذين منحوا الشاشة عمرهم، واليوم يجلسون في منازلهم بلا عمل ولا تقدير؟.
الدراما لم تُصب فقط بالشلل الإبداعي، بل ابتليت أيضًا بـ”المحسوبية”، حتى باتت بعض الأسماء تحتكر الظهور، فيما يُقصى آخرون دون وجه حق، لا لقصور في عطائهم، بل لأنهم لا يمتلكون من يدفع عنهم أو يفتح لهم الأبواب المغلقة.
هؤلاء الفنانون الذين لم يتعلموا سوى حب الفن والعمل فيه، يُتركون اليوم لمواجهة مصاعب الحياة بلا دخل، بلا سند، في ظل غياب شامل لأي مظلة تحفظ لهم كرامتهم أو توفر لهم حياة كريمة.
أكرر رسالتي مراراً وتكراراً إلى كل من بيده القرار في الوسط الفني:
إلى متى يستمر الشلل والمحسوبية في الأعمال الدرامية؟!، أين الفنانون الذين ملأوا الشاشة يومًا بالحياة والإبداع؟ لماذا يجلس المبدعون في بيوتهم بلا عمل، بلا تقدير، بلا حتى قوت يومهم؟.
نطالب بنظرة عادلة لمن أفنوا عمرهم في خدمة الفن.. فنانين لا يعرفون مهنتهم إلا الفن، ولا يملكون موردًا إلا هو، توقّفوا عن تجاهل أصحاب التاريخ، عن تهميش من لا يملك واسطة، وعن حرمان جمهورهم من رؤيتهم، ارفعوا الظلم، واكسروا دائرة المجاملة، وساندوا الفنان الحقيقي، فالفن لا يستقيم دون أهله… ولا ينهض إلا بالعدل.
آن الأوان أن يُرفع الظلم، وأن يُعاد النظر في سياسات الإنتاج والترشيح، فالفن لا ينهض إلا بأهله، ولا يُزهر إلا حين يُعطى كل صاحب موهبة ومكانة ما يستحق. علينا أن نكسر هذا الحصار غير العادل، ونمد أيدينا لمن صنعوا بهجة الماضي، وأثروا ثقافتنا لعقود.
ادعموا الفنانين الحقيقيين.. فالوفاء للفن يبدأ من الإنصاف لأهله.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.