Take a fresh look at your lifestyle.

مصطفى نصار يكتب: الآراء اليومية و السائدة.. أنت مسيطر عليك!!

31

عندما تواجه موقفًا ما مؤثرًا على مستقبلك أو حياتك بشكل عام ، فإنك من الطبيعي أنك تتأمل لتفكر فيه من جميع الجوانب و أنت في كامل وعيك ، فهذه العملية تسمى التفكير العقلاني التي تتسم بالبطء و العمق النسبي الحقيقي للتمكن من آخذ قرارات عملية واعية منطقية ، بعكس المواقف العفوية التي تنم عن تسارع و تفكير سريع إما لإعطاء رأي ما أو تبدي إعجابك أو كرهك بشيء ما ، فالتفكير بهذا الكيفية يتحكم به العقل اللاوعي المخزن الأساسي للأفكار و المعتقدات .

علاوة على ذلك،  يؤثر على اللاوعي البشرية العديد من المؤشرات المباشرة و التجارب الشخصية التي تؤثر بشكل عام و مغير للحياة بأسرها ، و منها بالتأكيد قرارات حياتك ، و آراءك في أصناف معينة من الناس ، فضلًا عن التشويه الممنهج و صناعة الأساطير القومية أو الدينية لأسباب اجتماعية أو سياسية محددة و دقيقة للغاية مثل أفكار البعض حول الصراع العربي الإسرائيلي،  و كذلك الملتحين في مصر ، و المنتقبات ما يشكل صورة نمطية غير محببة للنفس ، و لعل هذا ما جعل الباحث النفسي سليمان أش يقول أن التكرار المتعدد و التكثيف يجعل المرء منخرطًا في الجماعة .

تتراكم تلك الصور المكثفة لتكون نمط حياتي ملزم بغض النظر عن آراء الأعراف و الأديان و التقاليد ، لإن العقل المقهور و المتقدم تجمعهما المخزن من البيانات و الآراء ، أو كما أسماه دانييال كانمان عالم النفس الشهير في كتابه التفكير ، و للمفارقة ما تبرمج عليه لا يتوقف إلا عند السيطرة على المجتمعات كافة عن طريق التركيز على الجذب الإبداعي أو الترويج السياسي في حالة البروباجندا ، لمحو جرائم أو حتى لشراء منتج ما لينتقل علم النفس من دائرة الأمراض النفسية و العيادية لبوتقة التأثير و رسم السياسات ،ما أدى لظهور مجالات دراسية كاملة على رأسها علم الاجتماع النفسي و الهندسة الاجتماعية.

فتشتمل بذلك جميع التفاصيل المرتبطة بحياتك بدء من نومك مرورًا بعملك اليومي ، و انتهاء بتفاعلك و ميلك الاجتماعي و الأسري و التعليمي لأطفالك لتكتمل بها السلسلة اليومية الحياتية ، ما يؤثر و يرسم الطريق الحساس للحكم ، و اختيار أصدقائك ، و مشاهدة الأفلام أكشن أو إثارة أو تشويق ، و يتسع النطاق الحاكم أكثر مع المجتمع ، ووسائل الإعلام المحلية ، و كان هذا السبب لظهور علم العلاقات العامة بمنتهى الوضوح التي مثل زلالًا مدويًا في علوم الاجتماع و الاتصال لإنه انتصار لرؤية فرويد ، و كنز ثمين للحكومات الغربية خاصة ، و على رأسها الولايات المتحدة و إسرائيل .

فتطورت بأهداف متعددة و كثيرة أهمها ، و أكثر قربًا للفرد السيطرة عليه و الهيمنة على المجتمع لجعله يقبل فكرة محددة ، مختلفة تمامًا حق الاختلاف ، فالأهم هنا صناعة الموافقة أو الجذب بتعبير أحمد شلبي الباحث في العلوم السياسية في كتابه هندسة الجمهور الذي يطرح فكرة الهندسة الاجتماعية لتمريرها للفرد ، فالأيدولوجيات صنعت بتلك الطريقة عبر أربع خطوات ، تشمل خلق المشكلة ، و من ثم الرغبة في حلها ، و ربطها بقيمة متضادة أو معالجة متسقة وفق نسق منطقي يشترط وجود التاريخ الاجتماعي أو السياسي لفكرة ما ، و هو ما رسم بدقة في احتفال مشاعل الحرية التي تقين باعتباره صناعة كاملة الملامح للاوعي.

مشاعل و مفاتيح الحرية :اللاوعي لصياغة الأساطير و الخرافات .

عند تذكر الصياغة للاوعي، من الهام للغاية ذكر الداهية إدوارد بيرنز ، صاحب الحملة التسويقية الأشهر في التاريخ الحديث،  و التي أحدثت تصدعات في البينة المجتمعية للأمريكان ، و خاصة أن النساء كانت محافظات محتشمات لا يطيقين غير الاتساق السوي وراء المظهر الأنيق غير اللافت للنظر ، و إلا للانتباه الصارخ و الجلل الذي حدث بعد سطوة النسوية ، و تدجين الرجالة ما أدى لظهور فئات منحرفة مفصولة تمام الفصل ، مما يطرح سؤالًا قويًا حيال ذلك حول الإرهاصات المؤدية لذلك .

فالبداية كانت عندما وجد رجال الأعمال جون هيل نفسه يخسر في أرباحه شركاته التي تبيع السجائر ، و أراد اجتذاب شرائح جديدة حتى تزيد الأرباح و تكبر انتشارها و سمعتها بشكل أسطوري ، فجرب العديد من المحاولات البائسة تحت مظلة الحملات الإعلانية التي بائت بالفشل جميعها لا لشيء ، فقط لإنها لم تركز على القيم المهجورة سواء بالإيجاب أو السلب ، فضلًا عن بهتانها الكبير و عدم تركيزها على عوامل الجذب الحيوي التي تجذب المدخن ، بعبارة أخرى لم تهتم بالعوامل الأساسية في سيكولوجية الجماهير التي تركز بالأساس على المجموع السريع للأفكار الجماعية التي تحرك المجتمع .

عند الحيرة التي جاءت عند هيل ، لم يجد خيارًا غير الاستعانة بإدوارد بيرنيز المؤسس الفعلي لعلم العلاقات العامة لبحث الأمر الخاص بالعلاقات الإعلانية لجذب شرائح جديدة ، و بالفعل تمكن إدوارد بيرنز من التنسيق مع مساعدة بسيطة من خاله سيجموند فرويد شخصيًا الذي نصحه بالاستعانة باللاوعي للتركيز على النساء تحديدًا لإنهم أكثر قابلية للانصياع السريع ، و منها القبول الرحب و الفوري على الفكرة أو الموضوع المطروح ، و خاصة عند الحث على كسر الممنوع ، ما يعطي إحساسًا بالشجاعة الثلاثية ، و هي شجاعة الطرح و المواجهة و التجربة بغرض تحقيق الذات أو شرعنة محدودة للجديد .

و بمنتهى السرعة ، عمل إدوارد بيرنز على تصميم الحملة التسويقية بناء على نصحية عمه العملية و الواقعية له ، و ليطلب من هيل أن يحضر العديد من عارضات الأزياء ، و هن يدخنن السجائر من شركته الخاصة فضلًا عن اختيار اسم جذاب للحملة للتركيز على رغبة مكبوتة ، فاختارا مشاعل الحرية باعتبارها يركز على تحرير المرأة و القضاء على الرغبة الذكورية المقيدة للنساء ، و لعل هذا ما جعل الباحث محمد علي فرج يبرر الارتفاعات الجنونية في ارتفاع المبيعات مرجعًا العلل المناسبة لصناعة الوعي “الذي طالما صحب بالتركيز على الحلم أو تجربة الإحساس الجديد “بغض النظر عن نفعه أو ضرره .

و بهذه الطريقة غير التقليدية، نجحت طريقة إدوارد بيرنز المبهرة لجذب الشرائح النسائية الحديثة للتدخين فضلًا عن إثبات قدرة الإعلام و الإعلان التسويقي على صناعة و صياغة الأفكار و الاعتقادات ، فعينته الولايات المتحدة مستشارًا إعلاميًا لها تحت ذريعة خبرته الواسعة و رؤيته الثاقبة الحقيقة مع توظيف النظرية الخاصة به لأغراض سياسية و اقتصادية و إمبريالية حقيقة يدفع ثمنها العالم بسبب كمية الكذب و التضليل المثارة حول فئات معينة لغسل دماغهم أو وصمهم بتصنيفات مكذوبة و مغلوطة تمامًا أو مثلما فعلت إسرائيل مع العالم حول بناء السردية حول الهولوكست النازي ، و أنهم الحضريين وسط عالم عربي متوحش ما أدى لكوارث مفجعة .

البروباجندا سلاحًا :التحويل الشيطاني للإعلام العالمي .

بشكل عام ، استخدمت البروباجندا بعدة طرق صدامية أو شيطانية أو كذلك استماليية و توددية عدة مرات في تاريخ الولايات المتحدة إما لتحقيق مصلحة منه ، أو تنميطه لسهولة الهجوم عليه أو قتله ، و قد حدث ذلك منذ الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي في السبيعنيات حتى انهياره عام ١٩٩١، و عند تشويه المسلمين في عام ٢٠٠١، بهدف التمهيد الناعم لاحتلال العراق و أفغانستان تحت ذريعة الإرهاب و التطرف ، و كأن الإسلام حصرًا من يمتلك توكيل الإرهاب ، ما أدى لظهور جماعات الإسلامفوبيا ، و التطرف اليميني .

أما بالنسبة لإسرائيل، فلجأت للعديد من التقنيات النفسية و الاجتماعية المستمدة من بيرنيز و فرويد لما يشيد لهم من الأساس طن من السرديات المضللة و المغلوطة و الكاذبة للسيطرة على نفسية الغرب شعبيًا و سياسيًا دون أب ذرة رحمة أو شفقة حتى مس الأمر أكاديميين و أعضاء برلمان ، فالموضوع كما قال عليه أستاذ العلوم السياسية نورمان فليكاشتين “استخدام الهولوكوست “بوصفها صناعة إعلامية لتخدير الشعوب و التغاضي عن المجازر و التاريخ الطويل من القتل ، لتكوين عقدة مركبة سياسية لتحميل الذنب الدائم و النقص المركب المقترف تجاههم من الأيدولوجيات المتطرفة كالنازية و الفاشية ، و تكبير الرقعة المتعاطفة مع قضية مصطنعة!!

في المقابل الاستطرادي ، تحولت البروباجندا لسلاح قاسي هدفه الأساسي و الأوسع يكمن في غسيل العقول ، و قصفها عند الحروب النفسية أو الإعلامية فتتطور لتصبح نمطًا حياتيًا سامًا ، دون أن يراعي فيه أي حدود أخلاقية أو دينية ،لعدم وجود غاية سواء كسب الصفوف كما يؤكد جي أي بروان في كتابه أساليب الإقناع و غسيل الدماغ تحت مسميات مثل الضرورة الحتمية أو السياسة الإعلامية ، و هو ما يعبر عنه عالم اللغة و السياسة نعوم تشومسكي في كتابه السيطرة على الإعلام بالاصطفاف المؤيد و المساند مثلما فعلت الولايات المتحدة عندما جيشت حفنة من أهم فلاسفة المنطق ، و اللغة من تلاميذ جون ديوي.

نتيجة لذلك ، خلقت تلك السياسات عدة مآسي متجذرة و كبيرة مثل إعادة شبح اليمين المتطرف من جديد بأفكار جديدة لخوض حرب حصرية مع اليسار ، فضلًا عن إهدار شعوب بأكملها تحت طوق الضغط الذي لا يطيقه أحد ، فتحولت إما لوحوش ضارية أو قطيع ضال ، و كل هذا لمجرد اعتقاد مضخم أو مبالغ فيه ، تاركًا أثره المدمر على العقول دون حتى الانتباه لما سيخلفه أو سيرسمه من سياسات قد تقضي عليه لعدم وجود محددات أو إطار مرجعي صلب يراد العودة إليه لاشتعال آلية التفكير عنده من الأساس مثلما تؤكد الدكتور كاثرين تيرنر في كتابها علم التحكم بالعقل أو التحكم بالعقول .

فحروب العقول التي مورست و ستمارس نتاج سياسة هدفها الوحيد الربح و المادية ، و وسائلها اللأخلاقية كثيرة متعددة بحق أبرياء ، يصاغ لهم أفكار جديدة أو متوافقة معهم ، أو قلما تتلاقي معهم جزئيًا بشكل مثير للانتباه ، لتجد أن العقل في أغلبه حاليًا عقل عرائس مارونت على المسرح يحركها الإعلامي أو صانع القرار ، إنها حرب لا هوادة فيها و لا التقاط أنفاس لإن عند التقاط الأنفاس فستتمكن من التغيير الكلي أو إعادة النظر ما يشكل وعيًا جديدًا أو شخصية متذمرة ، متعارضة باستمرار ، و هذا علاج “لا يجب استخدامه “وفقًا لادواد بيرنز في كتابه البروباجندا.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.