Take a fresh look at your lifestyle.

شحاتة زكريا يكتب: في وجه العاصفة.. ماذا نملك نحن العرب؟

6

وسط موجات متلاطمة من الاضطرابات العالمية تبدو منطقتنا العربية وكأنها قارب صغير يحاول الصمود في محيط يزداد هيجانا كل يوم. الاقتصاد العالمى يتقلب على إيقاع حروب تجارية شرسة ومصادر الطاقة تدخل حسابات السلاح فيما تتراجع الثقة فى النظام الدولى ، وتزداد هشاشة المؤسسات الكبرى.

فى ظل هذا المشهد المرتبك يطرح سؤال نفسه بإلحاح: ما موقعنا كعرب من هذا المشهد؟ هل سنظل أطرافا تُناورها القوى الكبرى حسب مصالحها أم نستطيع أن نصوغ موقعا جديدا لأنفسنا في هذا العالم المتغير؟

الفرصة لم تذهب بعد لكن الوقت يداهمنا. المطلوب ليس أحلاما رومانسية عن وحدة عربية شاملة بل رؤية واقعية تبني على ما هو ممكن الآن.وتتحرك وفق منطق المصالح المشتركة. العالم اليوم لا يحترم إلا الكيانات الكبرى ولا يستجيب إلا لمن يملك أوراق ضغط حقيقية.

لدينا فرص عديدة ضاعت فى السابق بسبب غياب الإرادة السياسية وتراكم الخلافات لكن بإمكاننا البدء من جديد. يمكن التفكير فى حزمة من المبادرات ذات الطابع العملى مثل تأسيس منظومة عربية للأمن الصناعي والعسكرى تنطلق من الدول الأكثر تقدما، وتتسع تدريجيا لتشمل بقية الشركاء.

هذه المنظومة لا يجب أن تبدأ من الصفر فمصر والسعودية والإمارات والجزائر لديها بالفعل بنى تحتية ومشاريع طموحة فى الصناعات العسكرية والمدنية. يمكن إنشاء صندوق عربى مشترك يمول الأبحاث والابتكار ، ويوحد خطوط الإنتاج ويقلل من التبعية للتكنولوجيا الأجنبية.

أما فى المجال الاقتصادى فاللحظة الراهنة مثالية لإعادة التفكير فى التكامل الإقليمى. الأزمات العالمية كشفت هشاشة الاعتماد على الغرب فقط وفتحت أبوابا جديدة مع الشرق والجنوب. تخيّل لو امتلك العرب شبكة نقل وسكك حديدية عابرة للحدود ، أو منظومة غذائية متكاملة تربط واحات السودان بمدن الخليج وموانئ المغرب بمصانع الشام.

هذه ليست طموحات حالمة بل مشاريع قابلة للتحقق إذا توفرت الإرادة وخرجت الجامعة العربية من دورها التقليدى المتثاقل إلى دور تنسيقى فاعل. المطلوب ليس مؤتمرات ولا شعارات بل خطوات تنفيذية تبدأ بالتفاهم بين الدول الكبرى المؤثرة فى القرار العربى.

المثير للدهشة أن العالم يطلب منا الآن ما تجاهلناه طويلا: أن نكون وحدة اقتصادية وأمنية مستقرة. القوى الكبرى.رغم كل خلافاتها تحتاج إلى شريك عربى منضبط يمكن الاعتماد عليه. فلماذا لا نكون هذا الشريك ولكن بشروطنا نحن؟ لماذا لا نتحول من منطقة نفوذ إلى قوة تفاوض؟

إن غياب المشروع العربى المشترك هو الذى يجعلنا ساحة للضغوط لا طرفا فيها. والتاريخ لا ينتظر المترددين. هناك لحظات فارقة فى مسيرة الشعوب إما تُغتنم لتأسيس مستقبل مختلف أو تضيع وتتحول إلى ندبة جديدة فى جسد أمة تبحث عن ذاتها منذ عقود.

نعم العالم يمر بفترة اضطراب غير مسبوقة.ولكن من قال إننا لا نستطيع أن نستفيد من الفوضى؟ فى قلب كل أزمة فرصة ولعل هذه العاصفة التى تعصف بالنظام الدولى تفتح لنا نافذة نطل منها على دور جديد.. لو أردنا.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.